البيوت
ليست حجارة وأبواباً فقط، لكنها أمكنة تتنفس معنا وتشيخ حين نشيخ. في كتابه البيوت
أسرار الروح كتب الفيلسوف والمعماري غاستون باشلار: إن البيت هو أحد أعظم قوى دمج
الأفكار والذكريات والأحلام، فكل بيت نسكنه يترك فينا أثراً ما، لكن قليلاً من
البيوت ما يسكننا إلى الأبد.
كم
من دار نمرّ بها كما يمرّ القطار بمحطات لا يحفظ أسماءها، وكم من بيت صغير ظلّ
يعيش في قلوبنا حتى مهما رحلنا وتنقلنا.
إن
الحنين ليس للأثاث ولا للجدران، بل لذلك الشعور بالأمان الأول الذي لا يتكرر.
حين
نتحدث عن الديار أو البيوت فنحن نتحدث عن ألبومات حياة: ضحكات، بكاء، طقوس الصباح،
مشهد النافذة، والأبواب القديمة التي تفتح على دهاليز القلب. ربما لذلك قال الشاعر
الفرنسي بول فاليري إن البيت هو أول كون للإنسان كل شيء بعده مجرد امتداد.
لهذا،
فإن البيوت التي تسكننا لا تموت حتى لو هُدمت. بل تتحول إلى قصائد، أو إلى صور في
العقل، أو إلى رؤى في الأحلام.
في
سيرته الأيام يقول طه حسين إن بيت طفولته في الريف ظلّ يزوره في المنام حتى وهو في
باريس.
أعتقد
كذلك أن بيوتنا ليست حجرا صلداً لكنها أوطان داخلية إن جاز التعبير.
كلنا
نحمل بيوتا وديارا في صدورنا من حكايات وأصوات وألوان، نسكنها كلما ضاقت بنا
الأمكنة.
والوفاء
للبيت الذي يسكننا ليس بأن نعود إليه جسداً بالضرورة، بل بأن نحافظ على قيمه
ومعانيه ونور أهله في أرواحنا وذكرياتنا معهم.
اقرأ أيضــــاً "على هامش العمر"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق