Monday, October 5, 2020

الإعلام الإنساني (إعادة)

 






من أهم القيم الخبرية (News Values) هي قيمة البعد الإنساني (Human Interests) حسب رأيي، لأن لها تأثيراً مباشراً وكبيراً على حياة الناس، ومن أهم المناحي التي يشتغل بها الإعلام هو هذا الجانب الإنساني المضيء بعيدا عن أخبار الأحداث والفظائع التي هي عادة مائدة الإعلام، وبعيدا أيضا عن الإسفاف في الوظيفة الترفيهية للإعلام.


وقد حظيتُ بشرف، ومتعة، المشاركة في إنتاج قصص ساهمت في تغيير حياة كثير من الأسر والأشخاص، خصوصاً الحالات الإنسانية والمرضية التي تناولناها فأبرزناها للعالم وكنا سبباً في إيجاد متبرعين لها من حول العالم، وكلن ذلك في سلسلة (قصة إنسان) التي أنتجها قسم الميدانيات (VJs) بقناة الجزيرة الرقمية (الجزيرة بلس)، أتذكر كل القصص وأصحابها من ذوي الإعاقات والأمراض والظروف الإنسانية الصعبة، فقد كنا نتابع الأشخاص ونحرص على إيصال صوتهم، وفي أغلب الحالات يجدون من يتبرع لهم بما يغير حالاتهم، ومن أسعد الأوقات أن نقوم بقصة متابعة (follow-ups) عن أحد الأشخاص بعد أن لقي الدعم وتم علاجه أو إيجاد حل لقضيته، فنراه سعيداً فرحاً بعد حالته الأولى، خاصة إذا كان المعنيُّ طفلا، ومن هذه القصص التي ساهمتُ فيها قصة مدينة العميان (دالي كمب) في الشرق الموريتاني، فما زال كلام الأطفال وهم يتمنون رؤية أهلهم ورؤية السيارة في أذني حتى الآن، وكذلك كلام أهل القرية من العميان ووصفهم ظروفَهم المعيشية، وكم فرحتُ عندما شاهدتُ حجم التفاعل مع قصتهم، وما جلبت من تعاطف معهم واستعداد لمساعدتهم عبر العالَم، وقد قيض لهم الله من سعى في التخفيف عنهم ودراسة الجين المسؤول عن هذا العمى الوراثي.

ومن القصص التي أحزنتني ثم أفرحتني، قصة طفل مشخص بمرض يشبه مرض الشيخوخة المبكرة (Progeria)، حيث كانت تبدو عليه أعراض التقدم في السن رغم أنه طفل وكان ذلك سببا في تركه المدرسة لاستهزاء زملائه وسخريتهم منه، وكذلك لم يعد يخرج للشارع لنفس السبب وكان يعيش طفولة غاية في الصعوبة، وأهله فقراء لا يستطيعون مساعدته ولا علاجه، وعندما أنتجنا القصة وبثثناها لاقت تفاعلا كبيرا، وبعد سنة أنتجنا عنه قصة وهو في النمسا حيث تكفل محسنٌ نمساوي شاهد القصة مترجمة في القسم الإنكليزي للقناة فقرر أن يتبنى قضية الطفل، وكان متبرعون آخرون قد مكنوا الأسرة من الذهاب إلى إسطنبول قبل ذلك، فرأينا الطفل يتماثل للشفاء، يلعب ويذهب إلى المدرسة بشكل طبيعي.. وهذه أكبر جائزة يمكن أن نحصل عليها عن قصة.

كما أتذكر البنت مريانا من الأردن التي كانت تعاني من الشلل، ولم يكن في استطاعة الأسرة توفير العلاج لها الذي يكلف مبالغ طائلة، وكيف أنهم صاروا يبيعون الورود لجمع المال، وبعد أن أنتجنا القصة وجدت متبرعا وتم جمع المبلغ المتبقي وسافرت إلى أمريكا لإجراء العملية..

وكذلك تلك المرأة التونسية التي تحمل ابنها المُقعد على ظهرها يوميا لحضور دروسه في الجامعة، وكيف أثر تناولُنا لها على حياتها وحياة ابنها.

ومن مزايا هذا النوع من الإعلام هو بث الروح التفاؤلية والنظرة الإيجابية للحياة في المجتمعات، وأن العالم بخير رغم كل ما يجري من حروب ومجاعات وفظائع، وإلهام المتلقين للقيام بدور إنساني مجتمعي، فعندما نشاهد هذه القدرة على التأثير الإيجابي، نتفاءل بقدرتنا أيضاً على عمل شيء للناس والتطوع للمساعدة، لتخفيف ألم، أو إنقاذ شخص، أو على الأقل المواساة، كما أنه ينشر ثقافة الإنسانية والرأفة والمسامحة فضلا عن التعريف بأهمية التبرع والتطوع.

الأمثلة كثيرة في هذه السلسلة وهي موجودة على منصات الشبكة الرقمية، وهي عندي من أهم أسباب السعادة أن تحس أنك تُحدث تأثيراً إيجابياً على كثير من الأشخاص المحتاجين، فتكون سببا في إزالة معاناتهم وتفريج كربهم، ولا شيء يعدل عندي ذلك الشعور، خصوصا أنهم أشخاص لا تعرفهم ولا تربطك بهم أية أسباب شخصية غير الإنسانية، فهم من دول وخلفيات وأعراق وثقافات متنوعة.


مع القشيرية 2 (إعادة)

 


كشكول الحياة (3) .. مع القشيري (2) / محمد ولد إمام


... تابع للمقال الأول...رغم أن التصوف غالبا ما يكون ملازما للتدين، لكنه يحافظ على استقلالية تميزه عن رجل الدين والفيلسوف العقلي أيضا. مدار الصوفي هو الخَلق وراحتهم وحبهم، بخلاف مدار رجل الدين، الذي غالبا لا يحب غير من يدور في فلكه ويخضع لقراراته، إلا إذا خرج من حكم الطائفة محلِّقاً في فضاء العرفان أو متأثرا بفلسفة إنسانية يقوم بتأويل تدينه من خلالها.

المتصوف يتسامح مع الناس ويشدد على نفسه، وفي رواية صوفية لأبي علي الدقاق: (أن شابا أخرجوه من محلةٍ لفساده، فرأى القطب أمه تبكي، فقام واستشفع له عندهم لخاطرها. وطاف بعد أيام ووجدها تبكي. فسألها: هل أخرجوا ابنك لفساده من محلةٍ ما؟ قالت: لقد مات. فقال: وما حاله وقتها؟ قالت: قال لي لا تخبري الجيران فإنهم يشمتون بي ولا يحضرون جنازتي، وأعطاني خاتما كتب عليه "بسم الله" لأدفنه معه. فنفذت الوصية. وعندما همت بالبكاء على القبر سمعت هاتفا منه يقول: اذهبي يا أمي فإني مع رب كريم).

ورأى محمد الثقفي في منامه رجلاً فيه من أحوال النساء -مخنّث- احتقره الناس، فكان يقول: (غفر الله لي باحتقار الناس إياي).

أما حمدون القصار فكان يقول: (إذا رأيت سكراناً فتمايل لكيلا يبغي الناس عليه - أي لكيلا يرون أنفسهم أفضل منه فيؤذونه بكلام أو فعل -). نستشف من الأمثلة السالفة سعة صدر الصوفي مقابل ضيقه في المفهوم التقليدي للمتدين، فنادراً ما نرى أحدهم لا يحتقر الاثنين.

يضاف في رصيدهم أيضا التسامح الديني، فالكتاب خالٍ من مفاهيم التكفير، بل على العكس، في رواية صوفية عن إبراهيم الخليل: (أنه لقي مجوسيا ولم يطعمه، فسمع ربه يقول له في المنام: إنّا أطعمناه على مجوسيته سبعين سنة وتركنا رزقه عليك يوما واحداً فلم تطعمه!).

يرى الصوفي أن احتقار الخلق من أعظم الشرور، خصوصا مساكينهم، لأنه يلهيك بِشَرِّهم عن شر نفسك. وفي سبيل المساكين قاطعوا الدولة وأغنياءها وجيرانهم، لأنهم من جملة الأغيار الذين بسببهم يتألم الخلق ويجوعون، فكانت امرأة تخيط على مشاعل بيوت السلطان فقال لها أحدهم: لا تخيطي على مشاعل بيوتهم.

وجاء خياط لعبدا لله بن المبارك يسأله أنه اشترى من أحدهم خيوطا وإبرة وخاط ثوبا للسلطان فهل يعتبر من أعوان الظلَمة؟ فقال: إنما أنت من جملة الظلَمة أما أعوان الظلمة فهم من يبيعونك الخيط والإبرة.

نستطيع أن نقول إن المفارقة بين رجل الدين والمتصوف أن الأول يكتسب وجاهته من كلامه وسلطته الروحية وربما من سلطته السياسية، أو بالاشتراك بينهما. أما المتصوف فلا سلطة له ولا جاه، راحته في صمته، وقناعته من زهده، قريب من الخلق في العلانية، بعيد عنهم في السر، يسعى لإطعامهم ويرفعهم من الدونية إلى السواء، كثير الترحال فكرا وجسما، لكن حديث سره غالب على حديث لسانه.

 

 


مع القشيرية 1 إعادة

 


كشكول الحياة (1) .. مع القشيري (1) / محمد ولد إمام


منذ سنوات قمت بنشر رحلتي مع الرسالة القشيرية في التصوف، وهو كتاب أنصح به جداً فقد أثر فيّ شخصياً تأثيراً كبيرا.

وقد حوى هذا الكتاب من اللطائف ما جعلني أطرق تفكّرًا وتأمّلًا.. في العديد من الاقتباسات والوقفات.. فهو كتاب لطيف وعميق.

أثراني النقاش حول الكتاب.. وأضاف للرسالة أبعادًا أخرى، وإسقاطات واقعيّة نحتاجها.

فهو فعلا يستحق المطالعة حيث يرى المؤلف أنه في عصره بدأ الشيوخ الذين يتبعون طريق التصوف مع العلم الشرعي بالاندراس وبدأ الجهل والاستخفاف بأوامر الشريعة وقلة المبالاة بالمحرمات يظهر على متبعي هذا الطرق يقول القشيري:

 "ثم لم يرضوا بما تعاطوه من سوء هذه الأفعال، حتى أشاروا إلى أعلى الحقائق والأحوال، وادعوا أنهم تحرروا من رق الأغلال، وتحققوا بحقائق الوصال، وأنهم قائمون بالحق، تجري عليهم أحكامه، وليس لله عليهم فيما يؤثرونه أو يذرونه عتب أو لوم، وأنهم لو كوشفوا بأسرار الأحدية، واختطفوا عنهم بالكلية، وزالت عنهم أحكام البشرية، وبقوا بعد فنائهم عنهم بأنوار الصمدية، والقائل عنهم غيرهم إذا نطقوا، والنائي عنهم سواهم فيما تصرفوا بل صُرفوا"

وبسبب ذلك كله وخوفا من إنكار هذه الطريقة برمتها لأجل ما يقترفه هؤلاء المخالفون، وخوفا من ازدياد التمادي والاغترار والشطط وإشفاقه "على القلوب أن تحسب أن هذا الأمر على هذه الجملة بنى قواعده، وعلى هذا النحو سار سلفه"، انبرى صاحبنا القشيري إلى تأليف هذا الكتاب، يجمع فيه أقوال شيوخ هذه الطريقة الأوائل والثقات منهم وتعاريفهم ومصطلحاتهم وأحوالهم. فكانت هذه الرسالة القشيرية من أشهر أمهات الكتب في علم التصوف.

الكتاب مقسم إلى ثلاثة فصول:

الفصل الأول يتناول شيوخ الطريقة وأهم أعلامها، وهي بداية جيدة فإذا أردت علماً فعليك أن تنظر ممن تأخذه أولا، كما أن أسماءهم ستتردد على القارئ إلى آخر صفحة فمعرفتهم ضرورية.

الفصل الثاني في تبيان وتفسير أهم المصطلحات المتداولة بين شيوخ الطريقة، ليس بالصعب ولا بالغريب.

الفصل الثالث: هو عبارة عن أبواب تتناول لب التصوف (الرجاء، التوكل، الجوع، الصبر، المراقبة، اليقين .... إلى تتمته)

وحيث إن حقيقة التصوف بأنه (باطني) فما كان من الممكن التعرف عليه إلا بما تكرم به شيوخ الطريقة ونطقوا به.

وهنا أريد أن أنبه إلى شيئين:

١-قد لا يصدق البعض بعض ما يكتب في الكتاب عن بعض الأولياء وما يحدث لهم من قصص، لكن كيف ستنفيه بلا دليل وحجة؟ إذا علمت أن الله يتولى أولياءه! أنا لا أتوقع من نفسي التصديق الأعمى كما أنني لا أحب النفي الأعمى.

٢- جملة وردت في الكتاب أراها جميلة جداً (كان ثمة تصوف ولا اسم، واليوم اسم ولا تصوف).



Featured Post

سبعٌ عجاف

ابْيَـضَّـت العينُ من حزنٍ على وطنٍ يُـطـارِحُ الحزنَ مــأســـاةً بِمـــأســاةِ سـبـعٌ عِـجـافٌ ولا عامٌ نـغــــاثُ به فأيـنَ يوسـفُ؟ أين...