الثلاثاء، 23 سبتمبر 2025

تيك توك.. من أين تأتي أموال الداعمين الفلكية؟




هل تساءلتم يوماً عن الأموال التي تنهمر على التيكتوكرز في بثوثهم المباشرة؟ عن تلك “الهدايا الافتراضية” التي تتطاير كالألعاب النارية على الشاشة، وتتحول بعد دقائق إلى أرصدة مالية في حسابات صانعي المحتوى؟ على السطح يبدو الأمر مجرد دعم من جمهور متحمس، لكن خلف الكواليس تدور أرقام هائلة، ونسب اقتطاع معقدة، وشبهات تمويل غير مشروع تصل أحياناً إلى القضاء. الآلية بسيطة في الظاهر: مستخدم يشتري عملة المنصة “Coins” ببطاقته الائتمانية أو عبر متجر التطبيقات، ثم يهدي بها صانع محتوى فيتحول الدعم إلى “Diamonds” يمكن سحبها نقداً. لكنّ تقارير صحفية وتحقيقات رسمية تشير إلى أن هذا النظام نفسه قد يصبح منفذاً لغسل الأموال وتمويل أنشطة غير قانونية إذا لم يخضع لرقابة دقيقة.

في يناير 2025 رفعت ولاية يوتاه الأميركية دعوى قضائية ضد تيك توك متهمة المنصة بالتغاضي عن استغلال ميزة الهدايا في البث المباشر لأغراض غسل الأموال، وتمويل أنشطة مشبوهة، بل وتسهيل استغلال القاصرين. وثائق المحكمة التي كُشف عنها لاحقاً تشير إلى مشروع داخلي سري لدى الشركة باسم “Project Jupiter” خُصص للتحقيق في هذه المزاعم. وفي تركيا فتحت هيئة مكافحة الجرائم المالية MASAK تحقيقاً موسعاً بعد أن كشفت عن تحويل ما يقرب من 82 مليون دولار منذ عام 2021 إلى مستخدمي تيك توك عبر التبرعات والهدايا الرقمية، في عمليات اتُّهم بعضها بكونه واجهة لغسل الأموال أو تحايلاً ضريبياً.

الأمثلة الفردية لا تقل درامية. ففي ولاية ألاباما الأميركية اتُّهمت موظفة كنيسة باختلاس نحو 300 ألف دولار من أموال الكنيسة وإنفاق جزء منها على شراء Coins لدعم صانعي محتوى على تيك توك، في واقعة تم توجيه تهم احتيال إلكتروني فيها. هذه الحادثة ليست استثناءً، بل نموذج على هشاشة الرقابة في هذا الاقتصاد الافتراضي الجديد.

آلية المنصة ذاتها تفتح المجال للاستغلال. فالعملات الافتراضية والهدايا الصغيرة يصعب تتبعها، وتتيح للمستخدمين تفتيت مبالغ كبيرة إلى تحويلات تبدو غير لافتة. كذلك تسمح الحسابات الوهمية أو الوسطاء “الوكالات” التي تدير مذيعين كثر بتمرير أموال بين أطراف متعددة قبل تحويلها إلى نقد حقيقي. ومع أن تيك توك يفرض على المبدعين في دول عدة التحقق من الهوية قبل السحب، إلا أن تفاوت القوانين وضعف التعاون عبر الحدود يجعل من الصعب ضبط كل العمليات.

في الوقت نفسه هناك جمهور حقيقي يموّل هذه الظاهرة، فبعض “الحيتان” ينفقون آلاف الدولارات بحثاً عن الاعتراف أو الترفيه أو المشاركة في معارك البث المباشر. لكن تقارير صحفية عديدة حذرت من أن هذه البيئة ذاتها قد تشجع على سلوكيات إنفاق غير رشيد، وأن تضخيم أرقام الدعم يغري آخرين بالمشاركة دون وعي بأن المنصة تقتطع ما بين 50 و70 في المئة من كل هدية قبل أن تصل إلى صانع المحتوى.

ما يحدث على تيك توك اليوم يشبه إلى حد بعيد ما شهدناه سابقاً في ألعاب الهواتف أو مواقع البث المباشر الأخرى، لكنه في حالة الهدايا الافتراضية أكثر خطورة بسبب حجم السوق العالمي وسهولة الاستخدام وانتشار الوكلاء غير الخاضعين للرقابة. ومع أن الشركة أعلنت في بيانات متفرقة أنها تحارب غسل الأموال وتراجع أنظمة الدفع، إلا أن التحقيقات المستقلة تكشف عن فجوة واسعة بين التصريحات والممارسة، وعن اقتصاد ظلّ يزدهر خلف واجهة الدعم الطوعي للمحتوى.

المشهد إذن ليس بريئاً بالكامل. ملايين الدولارات قد تكون دعماً حقيقياً من متابعين متحمسين، لكنها أيضاً قد تكون أداة مثالية لتمرير أموال غير مشروعة عبر طبقات من العملات الافتراضية والتحويلات العابرة للحدود. ومع تزايد نفوذ هذه المنصات، يصبح من الضروري أن يطالب الجمهور والسلطات بقدر أكبر من الشفافية والرقابة على هذا النوع من التمويل الرقمي، حتى لا تتحول الهدايا الافتراضية إلى غطاء لغسل الأموال أو إلى سوق سوداء تعمل تحت ستار المحتوى الترفيهي.
محمد ولد إمام، 
https://mohamedimame.blogspot.com/2025/09/blog-post_23.html

المصادر:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق