الثلاثاء، 4 نوفمبر 2025

قيمة الوقت.. حين ندرك أننا نعيش على رصيد ينفد!

 
قيمة الوقت.
 قيمة الوقت.

الزمن ليس ما يقوله التقويم، بل ما يتسرب من بين أيدينا ونحن نظن أننا نملكه.

لو تأملت يومك حق التأمل، لاكتشفت أنك لم تعش منه إلا لحظات قليلة.

النوم يأخذ ثلثه، والانتظار يأكل ثلثه الآخر، والباقي تلتهمه الشاشات والمجاملات والمهام الصغيرة التي لا تترك فينا أثرا.

الحياة الحقيقية، إذن، ليست في عدد الساعات، بل في الوعي الذي نحياه في تلك الساعات.

كل لحظة نعيشها هي استثمار في أنفسنا، إما يضاعف قيمتنا أو يستهلكها.

هناك أعمال تتراكم، وأخرى تتبدد.

القراءة، التأمل، العمل الصادق، هذه كلها تثمر مع الأيام.

أما الفراغ أو والانشغال الدائم بالتوافه دون معنى، فهو كما قال أحد الحكماء: «كمن يحرث البحر».

وقد أقسم الله تعالى بالزمن فقال: «والعصر، إن الإنسان لفي خسر»، لأن الخسارة الكبرى ليست في المال ولا في الصحة، بل في الوقت الذي يضيع دون أن نصنع به حياة.

قال الحسن البصري: «يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومك ذهب بعضك».

وكل يوم يذهب دون أن يثمر خيراً أو معرفة أو أثرا، إنما هو قطعة من وجودنا تتساقط بصمت في بئر النسيان.

 

في هذا العصر المتسارع، أصبحنا نحسن إدارة أجهزتنا أكثر من إدارة أعمارنا.

نضبط المنبهات والمواعيد، نتابع المهام والرسائل، ونغفل عن حقيقة بسيطة: أن الساعة التي تمضي لا تعود، وأن أخطر أنواع الغياب هو الغياب عن لحظتك.

قال أبو الطيب المتنبي: "وذي الدار أخون من مومس
وأخدع من كفة الحابل

تفانى الرجال على حبها

وما يحصلون على طائل"

 فالزمن لا ينتظر من أضاعه، ولا يرحم من سوف به.

 

نحسب الربح والخسارة في المال، وننسى أن رأس مالنا الحقيقي هو الدقائق التي نحياها بصدق.

قال النبي ﷺ: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ».

فما أكثر من يبدد وقته في طلب ما لا يزيده إلا فراغاً أكبر مما بدأ به.

 

كان المفكر الأمريكي إرنست بيكر يعيش تجربة مختلفة مع الزمن.

في سنواته الأخيرة، أصيب بمرض عضال، وبينما كان الجسد يضعف، اشتعلت فيه الرغبة في الفهم.

كتب وهو على فراش المرض كتابه الشهير «إنكار الموت»، ليقول فيه إن الإنسان لا يهرب من الفناء بالإنكار، بل بالمعنى.

رأى بيكر أن الإنسان، في وعيه أو لا وعيه، يسعى إلى ما سماه «مشروعات الخلود» — تلك الأعمال التي تجعل للحياة ظلا بعد الرحيل: كتاب يخلد، علم ينتفع به، ابن صالح، فكرة تورث، أو حب يترك أثره في الناس.

وكان يقول: «كل شيء في حياتنا تتحدد قيمته بمدى قدرته على البقاء بعد موتنا».

 

تأملْ هذا المعنى، وستدرك أنه ليس بعيدا عن جوهر الإسلام نفسه، إذ يقول الله تعالى:

«إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم».

إنها الآثار إذن... ما تبقى منك حين لا يبقى منك شيء.

 

يقول الفيلسوف الآخر: «المشكلة ليست في أن وقتك قليل، بل في أنك لا تعرف كيف تنفقه»، لم يكتشف جديداً بقدر ما أعاد إلينا ما نسي من الحكمة القديمة:

أن الوقت ليس وعاءً نملؤه، بل هو حياة تزهر كلما سقيت بالنية والمعنى.

قال ابن القيم رحمه الله: «الوقت هو حياتك، وهو ظلك الراحل عنك».

وكل لحظة تمر هي خطوة نحو الغياب، فإما أن تترك وراءك صدى، أو فراغا.

في نهاية المطاف، لا أحد ينجي نفسه من الموت، لكن بعض الناس ينجون من النسيان.

يموت المرء مرتين: حين يُوارى في التراب، وحين يُمحى أثره من الذاكرة.

 

حين أنظر إلى الوراء، أرى أن أجمل أوقاتي لم تكن تلك التي ضحكت فيها كثيرا، بل تلك التي فهمت فيها شيئا عن نفسي أو عن العالم.

تلك اللحظات التي فهمت فيها معنى غير نظرتي، أو قرأت فيها كتاباً أنار بصيرتي.

تلك اللحظات كانت زمناً خالصا للروح، لا يقاس بالساعات بل بالأثر.

 

يقولون: «الوقت سيف، إن لم تقطعه قطعك».

لكن السيف ليس قاتلا بالضرورة، فقد يكون نحاتا يصوغك مع الأيام.

وكل ما عليك أن تفعل هو أن تمسكه بوعي، وأن تعرف فيم تستهلك عمرك.

 

الحياة لا تقاس بطولها، بل بكثافتها.

لسنا بحاجة إلى مزيد من الوقت، بل إلى مزيد من المعنى فيما نفعل بالوقت الذي بين أيدينا.

فالذين عرفوا قيمة الزمن لم يعيشوا أعماراً أطول، لكنهم عاشوها بشكل أعرض، كأنهم استخرجوا من كل لحظة لبها الصافي وتركوا القشرة للآخرين.

 

فيا أصدقاء، لنجعل من وقتنا وقفا لمعنانا، ومن أعمارنا مشروعات خلود.

ولنتذكر أننا لن نحاسب على كم عشنا من الزمن بل على كيف عشنا ذلك الزمن.

فمن أحسن استثمار وقته فقد كتب فصولا من الخلود في هامش الفناء.

محمد ولد إمام 

اختراق

الاثنين، 27 أكتوبر 2025

ذكريات من معارض الكتب!

 

خلال حفل توقيع "كشكول الحياة" بعرض الدوحة للكتاب 2020



لم تكن معارض الكتاب بالنسبة إلي مجرد أسواق لبيع الورق، لكنها كانت عوالم صغيرة تفيض بالحلم والدهشة واللقاءات التي لا تنسى، أشبه بمواسم صيد الغزلان، حيث تنبت الكتب على الرفوف كما تنبت الأزهار في الحدائق، ويصبح الهواء أثقل بالمعرفة وأخف بالفرح.

 

أول المعارض التي علقت في ذاكرتي كانت معارض القاهرة الدولية أيام دراستي بالقاهرة. كانت تلك السنوات محطات مهمة وشائقة من العمر، حملت منها رائحة الورق وأصوات الباعة وضحكات الأصدقاء، ورغبة عارمة في أن أمتلك الدنيا كلها بين دفتين.

 

كنت أتجول بين الأجنحة كما يتجول طفل في متجر حلوى، أضع ميزانيتي الصغيرة في جيبي، وأحاول أن أشتري بها ما لا يشترى. كانت المنحة تتأخر، والأسعار ترتفع، ورفوف الكتب تغويني كأنها كنوز من زمن غابر.
أتذكر أول نسخة من ديوان أبي الطيب، ومن حديث الأربعاء لطه حسين، ومن القاموس العملاق Longman Language Activator.

أتذكر تلك اللحظات كأنها عيد صغير، فقد كنت أراها بوابة إلى عالم جديد ومثير، أقلب صفحاتها كمن يتعرف على القارة الأولى في حياته.

وأتذكر كيف أغرمت بدواوين نزار قباني، وخصوصاً الأعمال السياسية، تلك التي كانت تتنفس بمرارة زمنها وتمرد شاعرها. كانت قصائده تربكني وتحرضني وتشعل شيئاً في داخلي لم أكن أعرف له اسماً بعد.

ومن أجنحة دار الهلال خرجت محملاً بترجمات لأسماء كنت أتهجاها ببطء: دوستويفسكي، تولستوي، نوبوكوف... كنت أفتح كتبهم كما يفتح باب على قارة بعيدة، وأغلقها وقد تغير شيء في نظرتي إلى الإنسان والعالم والمصير.

 

ثم هناك مرتعي ومجر عوالي، أي سور الأزبكية حيث الكتب المستعملة الرحيمة بجيوبنا نحن الطلبة، وفيها يجد الباحث مبتغاه وربما عدت بكتاب عليه إهداء أو عبارات حب ولعل شخصا باع كتبه لدواعٍ قاهرة كما عدت الضرورة الأديب الفالي إلى بيع كتاب الجمهرة فكتب أبياته الشهيرة:

أنست بها عشرين حولا وبعتها
وقد طال وجدي بعدها وحنيني   

 وما كان ظني أنني سأبيعها

ولو خلدتني في السجون ديوني   

 ولكن لعجز وافتقار وصبية

صغار عليهم تستهل شؤوني    

وقد تخرج الحاجات يا أم مالك

كرائم من رب بهن ضنين..

ويقال إن تلك النسخة وقعت في يد الشريف المرتضى فأعادها إليه مع ثمنها.
وفي سور الأزبكية ربما صادف المرء أشياء من هذا النوع.

وعند شراء الكتب المستعملة أشعر دائماً أن بين دفّات تلك الكتب أنين من مروا قبلي، وبصماتهم الخفية على الورق.


معرض الدوحة الدولي للكتاب 2020

فكنت أعود من المعرض مثقلاً بالكتب وخفيفاً من الهم، كأنني اشتريت خلاصاً مؤقتاً من ثقل العالم. أحياناً كنت أشتري الكتاب نفسه مرتين، وأقول في نفسي: “لا بأس، ستكون واحدة للقراءة، وأخرى للهدايا.”

 

مع مرور السنوات صرت أضع خطة لكل معرض أزوره: يوم أول للاستطلاع، ويوم ثان للاقتناء، ويوم أخير للمساومات والصفقات الرخيصة، حين تحاول دور النشر التخلص من أثقالها قبل الرحيل. كانت تلك اللحظات في آخر يوم من المعرض تشبه وداع صديق قديم لا تعرف متى تلقاه من جديد.

 

زرت بعد تلك السنوات معارض شتى وأقمت حفلات توقيع لبعض دواويني ولكتاب كشكول الحياة، ولكل معرض نكهته وسحره. غير أن القاهرة كانت شيئاً آخر، كانت كتاباً مفتوحاً على الذاكرة، يختلط فيه عبق التاريخ بصوت الباعة ودفء الوجوه. هناك تعلمت أن الكتاب ليس سلعة تشترى، بل حياة تعاش.

فالكتب يا أصدقاء، ليست أوراقاً تقلب، لكنها مرايا تريك نفسك التي ضاعت منك، وتعيد إليك دهشة الأيام التي كانت تلمع مثل الحبر الطري على الورق.

محمد ولد إمام.

الخميس، 2 أكتوبر 2025

عن فضيلة الشيخ ولد الددو

 

الصورة أثناء تكريم الجالية الموريتانية في قطر لمحمد ولد إمام في ديسمبر 2024.
الشيخ الددو يسلم محمد ولد إمام درع تكريم الحالية الموريتانية في قطر

عن العلامة الشيخ محمد الحسن الددو،
كان أول لقاء لي معه نهاية سبتمبر 2016، بفندق ريلز كارلتون الدوحة، رفقة الأستاذ عبد الرحمن الكرار، وقد جلسنا قليلا واستذكرنا وتحدثنا عن بعض المسائل التي للشيخ فيها فتاوى حديثة مؤصلة وأذكر أنه سألني عن كل الأهل تقريباً فذكرني بالشيخ عدود وسعة علمه بالأنساب وسألني عن بعض المخطوطات التي نُشرت في المكتبة الألمانية آنئذ.
ثم أنشدتُه الأبيات التالية:

حَيِّ الإمام المُسْتَقيمَ الأبَرْ
مُحَمَّدَ الحَسَنَ فينا الأثَرْ
نَــــماهُ للْمَجْدِ جُـــدودٌ له
فالمجْدُ فيه كائنٌ واسْتَقَرْ
من آلِ عَدودٍ وآلِ الدَّدَوْ
وآلِ يَعْقوبَ الدَّراري الدُّرَرْ
أئــــمـــةٌ غُــــرٌّ فلا غــروَ إنْ
خَـــلَــــفَهمْ منه إمـــامٌ أغرْ
يدعو إلى الحقِّ يُنادي به
"ودامَ هكذا النِّدا واسْتَمَرْ"
شُهودُه في العلمِ إنْ رُمْتَهمْ
ألْفِيةُ ابْنِ مالـِ والمُخْـتَصَرْ
للعِلْمِ يدْعو الجَفَلى والنَّدا
فـــلا تــراهُ آدبـــاً يَـنْـــتَـــقِــرْ
فطالبُ العُلومِ يَحْظى بها
وطالبُ الوَطَرِ يَقْـضي الوَطَرْ
وبُغْيَتي مـــنكــمْ دُعـــاءٌ لـــنا
وحِفْظُ عَهْدِ السلفِ المُشْتَهَرْ
فذلك العهْدُ هنا ما انْمَحى
وذلكَ الودُّ هــنا ما انْــــدَثَرْ.

محمد ولد إمام_ 24 سبتمبر 2016- الدوحة - قطر

الثلاثاء، 23 سبتمبر 2025

تيك توك.. من أين تأتي أموال الداعمين الفلكية؟




هل تساءلتم يوماً عن الأموال التي تنهمر على التيكتوكرز في بثوثهم المباشرة؟ عن تلك “الهدايا الافتراضية” التي تتطاير كالألعاب النارية على الشاشة، وتتحول بعد دقائق إلى أرصدة مالية في حسابات صانعي المحتوى؟ على السطح يبدو الأمر مجرد دعم من جمهور متحمس، لكن خلف الكواليس تدور أرقام هائلة، ونسب اقتطاع معقدة، وشبهات تمويل غير مشروع تصل أحياناً إلى القضاء. الآلية بسيطة في الظاهر: مستخدم يشتري عملة المنصة “Coins” ببطاقته الائتمانية أو عبر متجر التطبيقات، ثم يهدي بها صانع محتوى فيتحول الدعم إلى “Diamonds” يمكن سحبها نقداً. لكنّ تقارير صحفية وتحقيقات رسمية تشير إلى أن هذا النظام نفسه قد يصبح منفذاً لغسل الأموال وتمويل أنشطة غير قانونية إذا لم يخضع لرقابة دقيقة.

في يناير 2025 رفعت ولاية يوتاه الأميركية دعوى قضائية ضد تيك توك متهمة المنصة بالتغاضي عن استغلال ميزة الهدايا في البث المباشر لأغراض غسل الأموال، وتمويل أنشطة مشبوهة، بل وتسهيل استغلال القاصرين. وثائق المحكمة التي كُشف عنها لاحقاً تشير إلى مشروع داخلي سري لدى الشركة باسم “Project Jupiter” خُصص للتحقيق في هذه المزاعم. وفي تركيا فتحت هيئة مكافحة الجرائم المالية MASAK تحقيقاً موسعاً بعد أن كشفت عن تحويل ما يقرب من 82 مليون دولار منذ عام 2021 إلى مستخدمي تيك توك عبر التبرعات والهدايا الرقمية، في عمليات اتُّهم بعضها بكونه واجهة لغسل الأموال أو تحايلاً ضريبياً.

الأمثلة الفردية لا تقل درامية. ففي ولاية ألاباما الأميركية اتُّهمت موظفة كنيسة باختلاس نحو 300 ألف دولار من أموال الكنيسة وإنفاق جزء منها على شراء Coins لدعم صانعي محتوى على تيك توك، في واقعة تم توجيه تهم احتيال إلكتروني فيها. هذه الحادثة ليست استثناءً، بل نموذج على هشاشة الرقابة في هذا الاقتصاد الافتراضي الجديد.

آلية المنصة ذاتها تفتح المجال للاستغلال. فالعملات الافتراضية والهدايا الصغيرة يصعب تتبعها، وتتيح للمستخدمين تفتيت مبالغ كبيرة إلى تحويلات تبدو غير لافتة. كذلك تسمح الحسابات الوهمية أو الوسطاء “الوكالات” التي تدير مذيعين كثر بتمرير أموال بين أطراف متعددة قبل تحويلها إلى نقد حقيقي. ومع أن تيك توك يفرض على المبدعين في دول عدة التحقق من الهوية قبل السحب، إلا أن تفاوت القوانين وضعف التعاون عبر الحدود يجعل من الصعب ضبط كل العمليات.

في الوقت نفسه هناك جمهور حقيقي يموّل هذه الظاهرة، فبعض “الحيتان” ينفقون آلاف الدولارات بحثاً عن الاعتراف أو الترفيه أو المشاركة في معارك البث المباشر. لكن تقارير صحفية عديدة حذرت من أن هذه البيئة ذاتها قد تشجع على سلوكيات إنفاق غير رشيد، وأن تضخيم أرقام الدعم يغري آخرين بالمشاركة دون وعي بأن المنصة تقتطع ما بين 50 و70 في المئة من كل هدية قبل أن تصل إلى صانع المحتوى.

ما يحدث على تيك توك اليوم يشبه إلى حد بعيد ما شهدناه سابقاً في ألعاب الهواتف أو مواقع البث المباشر الأخرى، لكنه في حالة الهدايا الافتراضية أكثر خطورة بسبب حجم السوق العالمي وسهولة الاستخدام وانتشار الوكلاء غير الخاضعين للرقابة. ومع أن الشركة أعلنت في بيانات متفرقة أنها تحارب غسل الأموال وتراجع أنظمة الدفع، إلا أن التحقيقات المستقلة تكشف عن فجوة واسعة بين التصريحات والممارسة، وعن اقتصاد ظلّ يزدهر خلف واجهة الدعم الطوعي للمحتوى.

المشهد إذن ليس بريئاً بالكامل. ملايين الدولارات قد تكون دعماً حقيقياً من متابعين متحمسين، لكنها أيضاً قد تكون أداة مثالية لتمرير أموال غير مشروعة عبر طبقات من العملات الافتراضية والتحويلات العابرة للحدود. ومع تزايد نفوذ هذه المنصات، يصبح من الضروري أن يطالب الجمهور والسلطات بقدر أكبر من الشفافية والرقابة على هذا النوع من التمويل الرقمي، حتى لا تتحول الهدايا الافتراضية إلى غطاء لغسل الأموال أو إلى سوق سوداء تعمل تحت ستار المحتوى الترفيهي.
محمد ولد إمام، 
https://mohamedimame.blogspot.com/2025/09/blog-post_23.html

المصادر:

الكتاب وطن متنقّل: لماذا نحتاج وطناً يُحمل في الحقيبة؟

الكتاب وطن متنقّل
الكتاب وطن يُحمل في الحقيبة
الكتاب وطنٌ حين تضيق بك الأوطان. وطنٌ يُطوى في حقيبة، ويُفتح على اتساع القلب.

هذه التدوينة مرافِقةٌ لمقالي المنشور اليوم في الجزيرة نت عن فكرة الكتاب وطن متنقّل: كيف تخفّف القراءة وطأة الغربة، وتمنحنا جغرافيا من المعنى أينما حللنا.

لماذا كتبت هذا المقال؟

الواحد منّا قد يسافر ببدنه، وتبقى روحه تبحث عن "بيت". الكتاب يمنحك هذا البيت: لغة تألفها، وأصوات تحرس وحدتك، وذكريات تتّسع في هوامش الصفحات.

ثلاثة وجوه لوطنٍ من ورق

  • وطنٌ يحفظ الاسم: حين تتكسّر الألقاب على الحدود، يبقى اسمك في سطر مقتبس.
  • وطنٌ يخفّف الغربة: القراءة ليست هروبًا، بل عودة مؤقتة إلى نفسك.
  • وطنٌ يُشارك: الكتاب الجيد لا يُقرأ مرّة؛ بل يُسكن.

🔗 اقرأ المقال الأصلي على الجزيرة نت هنا

شاركني سطرك الأثير

ما الكتاب الذي كان وطنك المتنقّل؟ اكتب العنوان في التعليقات أو أرسل صورة لرفّك الصغير في السفر. سأنتقي مشاركاتٍ وأنشرها في تدوينة متابعة.

انضمّ للنشرة البريدية

تلخيصات كتب، خواطر قصيرة، ونسخ قابلة للطباعة من قصائد جديدة.

ملاحظة محبّة: إن أعجبك المقال، انقله لمن تحب. فالوطن حين يُشارك يكبر.

الأحد، 21 سبتمبر 2025

"أنخاب الأصائل".. إطلالة على المبنى وإيماءة إلى المعنى

 

قراءة في أنخاب الأصائل: إطلالة على المبنى وإيماءة إلى المعنى

نشرت الجزيرة نت قراءة نقدية للشاعر الكبير. بَبَّهاء ولد بدّيوه في ديوان أنخاب الأصائل، وفيها يتتبع «معمار» النصوص ويُبيّن كيف يجمع الديوان بين صرامة الشكل العمودي ومرونة قصيدة التفعيلة، لتُصاغ تجربة شعرية أصيلة تمزج بين الإحساس الفردي والتقاليد العربية.

  • سياق الديوان: يأتي امتداداً لمنجز الشاعر السابق (الفجر والمساء 2005، وأشعار 2018)؛ ويضمّ 85 نصاً في 113 صفحة.
  • التسمية والدلالة: العنوان يوظّف الرمز الخمري بوصفه مجازاً روحياً للحب وسمو التجربة، لا مجرد دلالة حسية.
  • الموسيقى والبناء: تنوّع الأوزان والقوافي؛ يغلب عليه الشعر العمودي مع حضورٍ للتفعيلة، وفيه تطويعٌ لإيقاع القافية بحسب مقتضى المعنى.
  • التجربة والمعنى: النصوص تكتبها الوقائع وتُصاغ في مرآة الذات الفنية؛ واشتغالٌ على التفاعل بين الإحساس الفردي والتمرس بالتقليد الشعري.
  • ثيمات الديوان: قضايا الإنسان العربي (فلسطين، العراق، الشام...) بلغة رشيقة تتراوح بين الإبانة والإشارة والصورة الرمزية.
«يتجلّى في أنخاب الأصائل توظيفٌ مبتكر للقوافي والأوزان المتعددة، جامعاً بين الشكل العمودي وقصيدة التفعيلة لتقديم تجربة شعرية أصيلة وعميقة.»

رابط القراءة الأصلية على الجزيرة نت: أنخاب الأصائل.. إطلالة على المبنى وإيماءة إلى المعنى

حقوق النص الأصلي محفوظة للجزيرة نت. النص أعلاه تلخيص وعرض موجز مع إحالة للمصدر.

الأحد، 14 سبتمبر 2025

البيوت التي تسكننا

مقالات محمد ولد إمام

 

البيوت ليست حجارة وأبواباً فقط، لكنها أمكنة تتنفس معنا وتشيخ حين نشيخ. في كتابه البيوت أسرار الروح كتب الفيلسوف والمعماري غاستون باشلار: إن البيت هو أحد أعظم قوى دمج الأفكار والذكريات والأحلام، فكل بيت نسكنه يترك فينا أثراً ما، لكن قليلاً من البيوت ما يسكننا إلى الأبد.

كم من دار نمرّ بها كما يمرّ القطار بمحطات لا يحفظ أسماءها، وكم من بيت صغير ظلّ يعيش في قلوبنا حتى مهما رحلنا وتنقلنا.

إن الحنين ليس للأثاث ولا للجدران، بل لذلك الشعور بالأمان الأول الذي لا يتكرر.

وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا..
على رأي المجنون.

أذكر بيتنا القديم، كما قال نزار في حواره مع تلك الإسبانية:
ورأيتُ منزلنا القديمَ وحجرةً
كانت بها أمي تمدّ وسادي..
أنا كذلك أتذكر كل ملامح وزوايا بيتنا القديم الذي كان متواضعا، ومع ذلك ظلّ أوفى من شقق المدن الحديثة. كنت أجد فيه روائح طفولتي تتدلى من السقف كعناقيد العنب، كأن الجدران نفسها تحفظ صوتي وأنا طفل وأسترجع كل تفاصيل حياتنا السابقة.
قرأت مرة في دراسة عن الذاكرة المكانية نشرها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن الباحثين وجدوا أن البيوت الأولى في حياة الإنسان تُخزَّن في مناطق الدماغ المسؤولة عن الذاكرة العاطفية، ولهذا تبدو أقوى من غيرها في الوجدان.

 

حين نتحدث عن الديار أو البيوت فنحن نتحدث عن ألبومات حياة: ضحكات، بكاء، طقوس الصباح، مشهد النافذة، والأبواب القديمة التي تفتح على دهاليز القلب. ربما لذلك قال الشاعر الفرنسي بول فاليري إن البيت هو أول كون للإنسان كل شيء بعده مجرد امتداد.

 

لهذا، فإن البيوت التي تسكننا لا تموت حتى لو هُدمت. بل تتحول إلى قصائد، أو إلى صور في العقل، أو إلى رؤى في الأحلام.

في سيرته الأيام يقول طه حسين إن بيت طفولته في الريف ظلّ يزوره في المنام حتى وهو في باريس.

أعتقد كذلك أن بيوتنا ليست حجرا صلداً لكنها أوطان داخلية إن جاز التعبير.

 

كلنا نحمل بيوتا وديارا في صدورنا من حكايات وأصوات وألوان، نسكنها كلما ضاقت بنا الأمكنة.

والوفاء للبيت الذي يسكننا ليس بأن نعود إليه جسداً بالضرورة، بل بأن نحافظ على قيمه ومعانيه ونور أهله في أرواحنا وذكرياتنا معهم.

اقرأ أيضــــاً "على هامش العمر"

الأربعاء، 10 سبتمبر 2025

على هامش العمر

خواطر محمد ولد إمام


العمر ليس عدد السنين التي نجرها وراءنا كما يجر المسافر حقيبته الثقيلة، بل هو ما يفيض في الأيام من معنى.
كم من إنسان عاش ستين عاما وهو غريب عن نفسه، وكم من آخر عاش عشرين عاما لكنه ملأ الدنيا بأثره.
العمر أشبه بالنهر: بعضه ضحل لا يروي عطشا، وبعضه عميق تمخر فيه السفن. ك
ل يوم صفحة جديدة في دفتر العمر.
فمنا من يتركها بيضاء كأنها لم تكن، ومنا من يخط فيها جملة تبقى أبد الدهر.
قلت لصديق يسألني عن العمر: هو ما يبقى بعدك، لا ما يذهب معك.