محمد ولد إمام.. كاتب مترجم، وباحث إعلامي وشاعر
أكتبُ الشعر لأصنع أثراً، وأترجم لأفتح للعالم نوافذ جديدة. هنا أشاركك تأملاتي وتجربتي بين الكلمة والفكرة والترجمة.
الأربعاء، 13 أغسطس 2025
الاثنين، 11 أغسطس 2025
خلوها تنظف.. حملة لحماية موريتانيا من فوضى وسائل التواصل.. ألا أين المحامونا؟
دعوة عاجلة لتنظيف الفضاء الرقمي
غياب الرقابة على المحتوى الحساس
فلا رقابة ولا رقيب على مجالنا التواصلي الرقمي، حتى الرقابة الآلية على سوئها، ليست متاحة لنا لأن أغلب هذا المحتوى الخارج يكون باللهجة الحسانية وبالتالي لا تلتقطه خوارزميات الرقابة في هذه المواقع!
أثر الفضاء المفتوح على الوعي والمجتمع
إننا نعيش اليوم في فضاء لا سقف له ولا جدار. الكلمات تعبر من شاشة إلى وعي غر، والصورة لا تعتذر حين تقتحم حياة طفل لم يتعلم بعد معنى حدود النظر. ليس الحديث عن شطحات فردية متفرقة، بل عن منظومة بث يومي متواصل تعيد تشكيل المزاج العام، وتؤثر في الصحة النفسية، وتزرع الفرقة بين فئات المجتمع من حيث لا نرى. لذلك يصبح السؤال أخلاقيا وقانونيا معا: كيف نضع حواجز واقية تحمي الأطفال والمراهقين وكبار السن، وتبقي الفضاء الرقمي مجالا للمعنى لا منجما للفوضى؟
التنمر الإلكتروني وأضراره النفسية
وإذا نزلنا من الإجمال إلى التفصيل، فالتنمر الإلكتروني واحد من أكثر الممارسات إيذاء. وتربط دراسات حديثة بين التعرض للتنمر عبر الإنترنت وبين ارتفاع احتمالات أعراض الاكتئاب، والقلق، وحتى التفكير الانتحاري في بدايات المراهقة. ليست المسألة “صلابة شخصية” بقدر ما هي نمط تعرض مستمر لمقولات جارحة وصور مهينة ومعايرة علنية تبث على مدار الساعة. هذا النمط يترك أثرا تراكميا ينعكس على الأداء الدراسي، وعلى تقدير الذات، وعلى القدرة على بناء علاقات آمنة.
خوارزميات الترويج وتأثيرها على الخطاب العام
ثم يأتي الخطر الذي لا نحب الاعتراف به: خوارزميات الترويج. ليست المنصات “محايدة” حين تمنح المحتوى الأكثر إثارة وغلوا فرصة الظهور المتكرر. فقد رصدت بحوث جامعية حديثة كيف تتكفل بعض الخوارزميات بتضخيم محتوى عدائي ومخل خلال أيام قليلة، فتتحول نبرة الازدراء والسخرية والتمييز إلى “النمط السائد”، ومعها تنزلق المقاييس الأخلاقية من غير أن نشعر. هذه الحلقة المفرغة لا تؤذي الفتيات والفتيان فقط، بل تغير لغة الحوار العام وتضغط على السلم الاجتماعي.
من خطاب الكراهية إلى العنف الواقعي
وليس هذا مجرد مسألة ذوق، فلدينا شواهد أنظمة كاملة انفلت فيها خطاب الكراهية حتى صار جسورا نحو العنف الحقيقي. ففي تقرير موسع لمنظمة العفو الدولية حمل خوارزميات منصة فيسبوك جزءا من المسؤولية عن تضخيم خطاب التحريض الذي مهد لجرائم ضد أقلية الروهينغيا في ميانمار عام 2017، وهو مثال صارخ على قدرة البنية التقنية، حين تدار بمنطق الربح المجرد، على تغذية الكراهية بما يتجاوز “المعارك الرقمية” إلى معارك واقعية على الأرض. لسنا في ميانمار، لكن الدرس أخلاقي وتقني: ترك المنظومات بلا فرامل، مع اقتصاد انتباه يكافئ الشخص الأشد ضجيجا، يعرض أي مجتمع هش للانزلاق.
انعكاس الأذى على كبار السن
تآكل الأعراف الاجتماعية في الفضاء الرقمي
سوء استخدام أدوات الضبط الرقمي
قطعت الدولة الإنترنت المحمول أياما خلال الانتخابات ونتائجها وخلال أحداث الفوضى الشرائحية وسبق أن أوقفت الخدمة عقب فرار سجناء وتصاعد احتجاجات، ما يكشف قابلية الأدوات الرقمية للتسييس المعاكس: بدل حماية الفضاء من المحتوى المؤذي للأطفال أو التحريض على الكراهية، يعاقب الجميع بالإغلاق العام. هذا ليس تنظيما، بل تعطيل يصيب الاقتصاد والمواطنين معا، ويبقي المشكلة الأخلاقية بلا حل.
قصور التشريعات الحالية
في المقابل، توجد نصوص فضفاضة حول “الأخبار الكاذبة” استخدمت لتجريم التعبير العام، من غير بناء منظومة متوازنة لحماية القاصرين ولمكافحة الأذى الرقمي المباشر. الإصلاح الحقيقي لا يكون بقمع شامل ولا بتساهل كامل، بل بقانون واضح يعرف الضرر القابل للقياس ويلزم المنصات والأفراد معا بالمسؤولية.
حماية الطفولة من الأذى الرقمي
على مستوى حماية الطفولة، تذكرنا اليونيسف بأن المخاطر لا تقتصر على الاستغلال الجنسي أو التحرش المباشر، بل تمتد إلى كل أنماط العنف اللفظي والمحتوى المؤذي الذي يضعف الشعور بالأمان. والأبحاث المقارنة تؤكد أن التعرض المنتظم للخطاب العدائي يقلص التعاطف ويزيد القابلية للوصم، ويغذي الاستقطاب بين الطبقات والفئات. هذا ليس “تشددا أخلاقيا”، بل قاعدة نفسية: ما يتكرر يترسخ، وما يطبع في الخلاصات اليومية يصبح “المعيار الجديد”، ومن هنا يبدأ التصدع في السلم الأهلي.
خطوات الإصلاح المقترحة
تشريع وطني متوازن
مواثيق سلوك للمؤثرين
اعتماد “مواثيق سلوك” للمؤثرين والشركاء التجاريين: لا إعلان ولا رعاية لمن يخرق هذه المعايير مرارا ولا أرباح من مقاطع مخالفة.
هيئة مستقلة للشكاوى الرقمية
إنشاء هيئة مستقلة للشكاوى الرقمية تتلقى بلاغات الأسر والمعلمين وتصدر قرارات ملزمة زمنيا بحق الحسابات المخالفة داخل موريتانيا، مع آلية استئناف قضائي سريعة تضمن العدالة وعدم التعسف.
التربية على الاحترام
على المجتمع والأسرة والمدارس دور لا يستغنى عنه من إدماج “التربية على الاحترام” في المناهج: كيف نفرق بين النقد والإهانة، بين حرية الرأي والتحريض؟ هذه مهارات مواطنة رقمية، وليست كماليات.
منصات مجتمعية داعمة
إنشاء منصات مجتمعية محلية داعمة: خطوط مساعدة نفسية سرية للشباب المتعرضين للتنمر، وجلسات تدريب للأهل حول الضبط الأبوي، ومواد مبسطة بالعربية والحسانية حول الوقاية والإبلاغ.
البحث والقياس
شراكات مع الجامعات والباحثين لقياس المؤشرات: معدلات التعرض، أنماط الأذى، أثر السياسات الجديدة. ما لا يقاس لا يحسن.
ضمان الشفافية وعدم استغلال القوانين
أعرف أن البعض سيقول: “سن القوانين قد يستغل ضد الرأي المخالف.” والرد أن العلاج ليس في الفوضى، بل في دقة التعريفات والشفافية والرقابة القضائية المستقلة. نحن لا ندعو إلى شرطة للأفكار، بل إلى معيار أخلاقي قانوني يحمي الطفل والناشئ وكبير السن من خطاب يؤذي صحتهم وسلام المجتمع، ويحمل المنصات ومن يربحون منها كلفة الضرر لا جائزته.
خاتمة
في النهاية، الفضاء الرقمي مرآة مكبرة لما فينا: إذا تركناه لمنطق الربح الأعمى، سيعيد تدوير أسوأ ما فينا. وإذا وضعنا له حدوده الأخلاقية والقانونية، صار فرصة للتعلم والتواصل ونشر الجمال. موريتانيا، بكل ألوانها ولهجاتها وقبائلها وقومياتها، جديرة بفضاء يقوي الوئام لا يجرحه، ويصون الطفولة بدل أن يضعها وجها لوجه مع أكثر ما في العالم قسوة. سن قوانين رادعة دقيقة، وتنفيذ عادل لا انتقائي، وتربية رقمية مستمرة، وشراكات مع منصات تتحمل مسؤوليتها—هذه ليست عدة رقابة فحسب، بل وصفة حماية لسلمنا الاجتماعي، اليوم قبل الغد.
الثلاثاء، 5 أغسطس 2025
هل بدأت أمريكا تراجع دعمها "الأعمى" لإسرائيل؟
أسئلة
غير مسبوقة بدأت تظهر من قلب اليمين الأمريكي.. والإجابة قد تغيّر كل شيء.
منذ
منتصف التسعينيات، سيطر خطاب اليمين الإسرائيلي على المشهد السياسي في تل أبيب،
مدفوعاً بعناد نتنياهو وحكوماته المتعاقبة، وبتبنٍ صريح لمشروع تطهيري لا يكتفي
بإقصاء الفلسطينيين، بل يسعى إلى محوهم من الوجود تماما.
وقد
شكل الدعم الأمريكي، في عهد ترمب ثم بايدن، مظلة آمنة لهذا المشروع.
إدارة
بايدن، رغم خطابها المختلف، حافظت على مبدأ "الدعم غير المشروط"، وأغمضت
عينيها عن الجرائم اليومية، مُكرسة الغطرسة الإسرائيلية أمراً واقعا.
لكن
اللافت أن التململ بدأ يتسلل من قلب اليمين الأمريكي ذاته.
شخصيات
مؤثرة مثل كانديس أوينز وتاكر كارلسون وجو روغان وغيرهم، صاروا يطرحون أسئلة كانت
من قبل من المحرمات:
لماذا
تواصل أمريكا دعم كيان يمارس التطهير العرقي؟
كيف
يمكن الحديث عن حقوق الإنسان، مع التغاضي عن إبادة جارية أمام الكاميرات؟
ولماذا
يتم تصدير صورة إسرائيل كضحية، بينما هي الجلاد؟
هذه
الأسئلة ليست صادرة عن اليسار، بل من دوائر يمينية طالما شكلت عمقاً استراتيجياً
لدعم إسرائيل.
وهو
ما يعيد إلى الأذهان إرهاصات التحول الذي بدأ مع حراك الجامعات ضد حرب فيتنام، حين
انتقلت الأسئلة من الهامش إلى صميم الرأي العام.
الحراك
الطلابي الأمريكي اعتصم تضامناً مع غزة، وجيل جديد بدأ يربط بين ما يجري هناك، وما
عاشته أمريكا في تجاربها الإمبريالية الأخرى.
تلك
الأسئلة لم تعد تهم الأخلاق فقط، بل تمس صورة أمريكا نفسها، وموقعها من التاريخ.
وقبل
هذا التحول داخل اليمين، كان الحزب الديمقراطي قد شهد بوادر تغيير قادها جيل مثل
إلهان عمر، وألكساندرا أوكاسيو كورتيز، وبيرني ساندرز، الذين وسّعوا حدود الخطاب
السياسي، ورفضوا تسليع المعاناة الفلسطينية.
أما
الصورة التي حاول نتنياهو ترسيخها، بأن إسرائيل تمثل داوود وأعداءها يمثلون جالوت،
فقد انعكست تماما.
اليوم،
يبدو أهل غزة، المحاصرون والمجوعون والمذبوحون، هم داوود الحقيقي، في حين تقف
إسرائيل بكامل قوتها العسكرية والنووية في موقع جالوت الوحشي.
وهذه
المفارقة تحديدا، هي ما بدأ يقض مضجع العقل الأمريكي المحافظ.
فمواصلة
رفض الحلول السياسية، وتغذية الحروب العبثية في الشرق الأوسط، لم يعد يقرأ
كـ"مصلحة"، بل كغباء سياسي لا يغتفر.
ما
كان يعد سابقاً من المسلمات، صار اليوم مادة لنقاش جدي داخل اليمين الأمريكي نفسه.
وما
كان يصدّر كـ"تحالف قيمي"، صار عبئاً أخلاقياً وسياسياً في نظر كثيرين.
محمد ولد إمام
الخميس، 31 يوليو 2025
الثلاثاء، 15 يوليو 2025
الاثنين، 7 يوليو 2025
أنخاب أصائلنا المفقودة..
لم
تكن العصاري (الدحميس) في طفولتنا وصبانا كهذه العصاري التي نراها اليوم…
لا
أعني غروب الشمس وحده، ولا احمرار السماء على كثبان الرمال، ولا نسيم المساء
البارد وهو يمرّ على وجوهنا المتعبة من قيظ القائلة.
إنما
أعني ذلك الإحساس الدافئ بسكون المساء، حين يهدأ كل شيء، وتنفرج الروح، ويستكين
الجسد.
ذلك
الإحساس بأنك تقف على أعتاب ليلة قادمة، لا لتقاوم، بل لتستريح: لتصغي، لتسامر،
لتحتسي الشاي (الذهبي) بهدوء، لتعيش العمر بلا صخب ولا تكلّف ولا نفاق.
لماذا
كانت الأصائل أبهى؟
لِمَ
كانت العصاري أطول وأكثر بهجة، تتسع للحديث واللعب والأنس والمنجزات الصغيرة التي
تملأ القلب بالرضا؟
أتذكّر
جيدًا استراقي السمع من مجلس الكبار عصرا وأول مرة أستحق كاس شاي مع الجماعة..
كنت
أعدّه نصرا واعترافا بالنضج، نجتمع حوله ونحن نسمع أحاديث الكبار، وننصت للحكايات
عن المواشي وضالتها وحديث الحاسي طبعا.. ثم قبيل الغروب نتمشى خارج الحي ونراقب
كيف تسدل السماء ستائرها الزرقاء شيئًا فشيئًا.
كانت
القرية كلها كأنها تودع الشمس ساعة مغيبها.
كانت
قريتنا — على أطراف الصحراء — قرية عصاري نظرا لاشتداد الحر في الهواجر.
كانت
البركة أعمق، والأنفس أصفى، والحياة أيسر.
لكن،
حين صار الناس عبيد هواتفهم، اختلت المواعيد، وضاعت البركة.
اليوم،
جاءت فجوة عميقة بين هذا كله وبين تعليم متراجع، وأجهزة ذكية بأيدٍ غير مؤهلة،
فاختلت الموازين، وصار كثيرون يستعملون التقنية للفضح والانفصال بدل الوصل
والبناء.
إن
الأصيل سر صناعة الليل، وصناعة الليل هي سر صناعة العمر، وصناعة العمر هي المجد
النافع الباقي.
الأصيل
نعمة من نعم الله، كلما رأيناه تذكّرنا نور الله ومحبته وهي تفيض على القلوب.
وقديما
تغنت العرب بالأصيل والأصيلال..
وقال
أبو الطيب:
كأن
أوقاتها في الطيب آصال.. فجعلها مضرب المثل في طيبها..
وقد
عنونت أحد دواويني الشعرية بعنوان "أنخاب الأصائل"..
اللهم
بارك لنا في أوقاتنا، واكفنا شرّ من لا يعرفون للغروب هيبة ولا للسكينة معنى.
#محمدولدإمام #محمد_ولد_إمام
#
الأحد، 29 يونيو 2025
الكاتب وأدواته.. عشق ممتد
الكاتب وأدواته.. عشق ممتد
أذكر
اليوم الذي وقفت فيه أمام رف وراقة الحي، كانت عيناي تتنقل بين صفوف الدفاتر
المرصوصة كجنود في طابور الصباح. كان قلبي يخفق وأنا أمرر أصابعي على أغلفة الجلد
الناعم، وأتنشق رائحة الورق البكر الذي لم تلمسه بعد كلمة واحدة. في تلك اللحظة،
أدركت أنني مصاب بداء جميل لا شفاء منه: الهيام بأدوات الكتابة.
لست
وحدي في هذا العشق الأبدي. فنحن - معشر عاشقي الورق والحبر - قبيلة منتشرة في كل
مكان، نتنقل بين المكتبات كالنحل بين الأزهار، نجمع الدفاتر والأقلام بشغف لا
يفهمه الكثيرون.
أتذكر
دفتري الأول، ذلك الكنز الأزرق بغلافه المخملي وقفله الذهبي الصغير. وقد احتفظت به
سنوات طويلة حتى بعد أن امتلأت صفحاته بخربشات المراهقة وأحلام الطفولة. كان ذلك
الدفتر أول رفيق حقيقي لي، يحتضن أسراري ويحفظ أولى محاولاتي في نظم الشعر.
ومع
الأيام، تطور هوسي ليشمل كل ما له علاقة بالكتابة. أصبحت أقتني الأقلام من كل مكان
أذهب إليه، فكل قلم يحمل في طياته قصة مختلفة وإمكانيات لا محدودة. وكم من مرة
وجدت نفسي في مكتبة أتفحص أقلام الحبر الفاخرة، أزنها في يدي وأتخيل الكلمات التي
ستنساب من خلالها على الورق.
وأي
متعة كانت تلك التي أجدها في بري القلم الرصاص بالمبراة المعدنية! أدير القلم ببطء
وأستمع لذلك الصوت الخشن الجميل، وأراقب خصلات الخشب المبرومة وهي تتساقط كأوراق
الخريف. ثم أختبر حدة السن بوخزة صغيرة في ظهر يدي، لأتأكد من جودة البري.
أما
الكتب، فحدث ولا حرج عن عبقها الفريد. تلك الرائحة التي تخرج من بين الصفحات عندما
تفتح كتاباً جديداً لأول مرة، أو ذلك العطر العتيق الذي ينبعث من الكتب القديمة في
المكتبات الأثرية. كان جدي - رحمه الله - يملك مكتبة صغيرة في بيته، وكنت أقضي
ساعات طويلة أتنقل بين صناديقها العتيقة، وربما غضبت فأتلفت بعضها لا بغضا لها بل
انتقاما من نفسي ومن الموقف.
نحن
اليوم محاطون بالشاشات الباردة اللامعة، نكتب على لوحات مفاتيح لا روح فيها، ونرسل
نصوصنا بضغطة زر واحدة. اختفت تلك اللحظات السحرية حين كنا نكتب المسودة الأولى
بخط اليد، ثم ننقلها بخط أوضح، ونعدل عليها مراراً وتكراراً قبل أن نرضى عن شكلها
النهائي.
أذكر
في سنوات الألفين، كنت أنتظر أسابيع لأرى قصيدتي منشورة في أحد المواقع الأدبية.
كان ذلك الانتظار جزءاً من متعة الكتابة، يعطي للنص قيمة وثقلاً لا يمكن تحقيقهما
في زمن النشر الفوري اليوم.
كانت
لدينا أجندات سنوية، نملأها بمطالع القصائد والأفكار العابرة والاقتباسات من
قراءاتنا. كانت تلك الأجندات كنوزاً حقيقية، أرشيفاً شخصياً لأحلامنا وطموحاتنا
الأدبية.
اليوم،
أجد نفسي أكتب هذه الكلمات على شاشة تؤذي عيني بضوئها الأزرق، تقاطعني الإشعارات
كل دقيقة، وتهدد بالانطفاء إذا لم أحركها لفترة. لا أشعر بنفس الحميمية التي كنت
أجدها مع الدفتر والقلم.
لكن
رغم كل هذا التطور التكنولوجي، ما زلت أحتفظ في درج مكتبي بمجموعة من الأقلام
والدفاتر. فقد أحتاج إليها يوماً ما، عندما تنقطع الكابلات أو تتعطل الشاشات، أو
ربما عندما أشتاق فقط لتلك المتعة القديمة في رسم الحروف باليد، وسماع حفيف الورق
تحت القلم.
نحن،
معشر عاشقي أدوات الكتابة، مهددون بالانقراض حقاً، لكننا لم نمت بعد. وما دامت
هناك قصة تستحق أن تُحكى، وقصيدة تستحق أن تُكتب، فسيبقى للقلم والورق مكانهما في
قلوبنا وبين أيدينا.
محمد
ولد إمام:
https://www.aljazeera.net/blogs/2025/6/28/%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%a7%d8%aa%d8%a8-%d9%88%d8%a3%d8%af%d9%88%d8%a7%d8%aa%d9%87-%d8%b9%d8%b4%d9%82-%d9%85%d9%85%d8%aa%d8%af