Thursday, June 10, 2021

كورونا وبروست!


 
منشور بتاريخ مارس 2020

في عشرينيات القرن الماضي كتب العملاق الفرنسي بروست، في أطول رواية أدبية في العالم،
 (À la recherche du temps perdu)
  أو كما تُرجمت للإنكليزية
(Remembrance of Things Past)،
وهي 7 أجزاء وأكثر من مليون ومائتي ألف كلمة!

المهم خلال تناوله لقضية الموت، كتب أن صحيفة نشرت لقرائها أن عالِماً أمريكياً أعلن أن العالم سينتهي أو على الأقل أجزاء كبيرة منه، على نحو مباغت، وسيكون الموت هو مصير الجميع، وتساءلت لصحيفة ماذا سيتغير في حياة أو حيوات الناس قبل الكارثة؟ وسألت القراء: ماذا ستفعلون في هذه الأيام المتبقية؟
أول المشاهير الذين أرسلوا ردهم كان الكاتب أونوري بوردو، فقال إن الناس سيذهبون إلى أقرب كنيسة أو غرفة نوم، لكنه رفض الخيارين وقال إنه سيتسلق الجبال للاستمتاع بجمال الأشجار والطبيعة.

الممثلة بورتا بوفي أكدت أن الناس سيتخلون عن كل تحفظاتهم وكوابحهم في الساعات الأخيرة ما دامت ليست هناك عواقب ولا محاسبات!

أما مدام فرايا، فأكدت أن الناس لن يتأملوا المستقبل الغيبي بل سينغمسون في الملذات الأرضية،

بينما صرح الكاتب أونوري روبير بنيته الانغماس في لعبة (Bridges) ومباراة تنس أو غولف أخيرة!

أما بروست العظيم فقال: أعتقد ان الحياة ستبدو رائعة فجأة، فكروا فقط في عدد الرحلات والأسفار والمشاريع والعلاقات.. التي كانت غير مرئية بفعل كسلنا الذي يؤجلها باستمرار لثقتنا الراسخة أننا سنفعل تلك الأمور الرائعة في وقت ما في المستقبل!

سنقول آه لو أن الكارثة لا تحصل الآن إذن لزرنا المتاحف وقرأنا الكتب الممتعة ومشينا في الطبيعة وبحنا بحبنا واستمتعنا بأحبابنا وذهبنا في أسفار لرؤية العالَم..

وعندما لا تحدث الكارثة، لا نفعل أياً من هذه الأشياء ونجد أنفسنا في روتين الحياة العادية مرة أخرى حيث التكاسل يقضي على الرغبة.. والتسويف يقضي على المشاريع!

والغريب أنه بعد 4 أشهر فقط من نشر هذا الاستبيان فارق بروست الحياة بعد زكام بسيط!|

وقد تناول الفيلسوف والكاتب المعاصر (Alain de Botton)  (How Proust Can Change Your Life) هذه النقاط بإسهاب أكبر وهذه خلاصته.

ولحسن الحظ لم تقتصر تأملات بروست على هذا الجواب الموجز على سؤال متخيل لصحيفة، بل عكف حتى وفاته على إنتاج أضخم عمل روائي حتى الآن، حاول من خلاله الإجابة على أسئلة الحياة والموت والمعنى المنشود من كل ذلك.

ومن مهمات الأدب عموما، سواء في روايات العظماء دوستويفسكي، كافكا، تشيخوف ماركيز، أورويل، وكويلو، أو حتى أشعار أبي الطيب، والمعري.. وأعمال الرومي، وابن عربي والغزالي وكامي وسارتر وكارنيغي وثورو.. كلها تعطينا أمثلة حية على كيفية عيش الحياة ومعناها ولحظاتها الصغيرة..

ورغم أن قضية هلاك العالَم قد تبدو مروعة ومقلقة إلا أن هذه الأعمال العظيمة تبعث الأمل في لفت أنظارنا ولو قليلا قبل حدوث ذك الهلاك الشخصي أو العالَمي إلى أن بإمكاننا أن نتعلم ضبط أولوياتنا قبل أن يحين وقت لعبة الغولف الأخيرة أو التسلق أو السفر الأخير والموت!

الخبر الجيد أحبتي أننا لا نحتاج لكارثة بروست ولا لفيروس كورونا ولا غير ذلك، لكي نحب الحياة اليوم والآن. بل كان يكفي أن نفكر دائماً أننا بشر وأن الموت قد يزور هذا المساء!

وأنتم أحبتي، لو أن السيناريو كان صحيحا، كيف ستقضون آخر ساعاتكم على هذه الأرض؟


صورة الإسلام 2


 

.. (تابع):
وممّا يجدر ذكرُه هنا أنني لاحظت أن العلماء أو المهتمين بحوار الأديان عموماً ينقسمون إلى قسمين رئيسيين:

القسم الأول يذهبون بعيداً في الاعتذار عن الإسلام ونفي كلِّ ما يرونَه منافياً للمدنية الحديثة وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فنراهم يُنكرون الحدود أو بعضها، وكذلك يُنكرون أغلب الآثار التي تذكر العذاب كما سيأتي، وهم بذلك كأنما يفصِّلون الدين على مقياس الآخر حتى يتماهَوا معه كلياً وهم بذلك يفقدون خصوصيتهم أو أغلبها فيصبحون نسخاً مكررة من تلك الثقافة العالمية، وبعضُهم يدعون صراحة إلى أن يقتصر الدين عندنا على العلاقة الفردية بين العبد والخالق، فلا شريعةَ ولا تدخلَ في الحياة الشخصية ولا حدود ولا قضاء شرعياً .. إلخ.
والقسم الثاني أشخاص جامدون جدا وحرفيون نوعاً ما في فهمهم للدين، وهم بذلك صِداميون، وغالبا تنتهي حواراتهم في طريق مسدود.

على رأي الشاعر القديم:

نحن بما عندنا وأنت بما *** عندك راضٍ والرأي مختلفُ
وبين تفريط أولئك وإفراط هؤلاء، هناك طريقٌ للنقاش والتفاهم وتصحيح المفاهيم الخاطئة.

ومن الملاحظ أيضا أن هذا المجال لا ينبغي أن يتصدى له مَن لا يفقهون في الدين أولا، وثانيا مَن لا يفقهون المدنية المعاصرة، والعقلية الغربية أو قل العالمية، فمن كان لديه نقص في إحدى هاتين الناحيتين كان خليقاً أن يضر ولا ينفع، فلا بد من اطلاع واعٍ وواسعٍ على الثقافية الإسلامية بكل مذاهبها وفروعها، والإلمام بالسياقات التاريخية والعقلية العربية والبيئة التي نشأ وانتشر فيها الإسلام من ناحية، ومن ناحية أخرى لا بد من التضلع من لغة الغرب وثقافته وعقليته، وفهمه للأمور، وتاريخه وسياقاته، فبغير هذا لا يمكن أن تجري حواراً مثمراً ولا أن تصحح المفاهيم المغلوطة.
وسأقوم هنا بذكر أهم الشبهات التي كانت تُطرح علينا:
1 - قضية ارتباط الإسلام باللغة العربية والثقافة العربية، بل إن هناك مَن يعتقدون أن الإسلام دين العرب خاصة! فكثيراً ما نُسأل لماذا الصلاة بالعربية فقط؟ لم لا يكون من حق أي مسلم أن يترجم الفاتحة إلى لغته ويصلي بها بعيدا عن اشتراط اللفظ العربي؟ فالأديان الأخرى، حسبهم طبعاً، لا تشترط لغة معينة للصلاة، وكان ردي على هذه النقطة هو أن القرآن الكريم وقفي لأنه كلام الله جلّ وعلا، وبالتالي لا يمكن أن تعوضه أية ترجمة بلغة أخرى، والصلاة عمادُها القرآن، وكذلك ألفاظ الحديث الصحيح، في الأدعية والله أعلم.

القضية الثانية التي دائماً تطرحُ علينا هي قضية أبدية العذاب (Eternal damnation) وهي في نظرهم تُناقِض العدل، لأن العقوبة يجب أن تساوي الجُرم، فلا يمكن حسب قولهم أن يُعذب أحد عمرُه لا يصل غالباً مئة سنة (ولو قدرنا أنه أمضى عمره منذ ولادته إلى موته في الإجرام) عذاباً أبدياً أي الخلود في النار، فهذا لا يُناسب الجرم حسب تعبيرهم.. Disproportionate
والقضيةُ هنا حسب رأيي هي سوءُ تقدير لمفهوم الرب الخالق عند المسلمين، فهو الخالق والمالك، وتصرف المالك في ملكه يسمى عدلاً لا جوراً، وفي القرآن الكريم يقول جلّ من قائل حكاية عن عيسى عليه السلام:   

إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ..

كما أن قضايا مثل الحدود، خصوصا الردة (apostasy) وقتل المرتد تُطرحُ دائما من قبل هؤلاء للتدليل على أن الإسلام لا يُعطي حرية الاختيار لمُعتنِقيه في التخلي عنه، وقد طالعتُ الكثير من الدعاة في الغرب ينفون قتل المرتد لأنه - حسب رأيهم - يُناقض صريح الآية (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)، ومنهم على وجه الخصوص الداعية يوسف أستس، وله محاضرات في هذا المعنى، وهناك من الدعاة والمفكرين حتى العرب من يُبطل حد الرجم، وهو ما يُثيره أعداء الإسلام عادة للتدليل على ما يرجفون به من "وحشية الدين"، وليس هذا مقام البسط في حجج كل طرف، وهي متاحةٌ للجميع على كل حال.
ومن ذلك أيضا قضايا المرأة،  كالمساواة في الإرث، والمساواة في الشهادة، والعدة، وفرض لباس معين زيادة على الرجل، وضرب الزوجة، والتعدد،.. وأذكر هنا أن الأستاذ يوسف أستس قال إن الضرب المذكور في القرآن الكريم، قد مُثَّل له في الأثر بالضرب بالمسواك، وبالتالي يكون أقرب إلى المداعبة من الضرب، ولكن هذا التفسير يُفقد الضرب مقصوده من الردع عن النشاز والمعاقبة عليه، وهذا يُعطينا مثالا على ما ذكرتُ سابقا من أن بعض الدعاة تمادى جدا في استمالة الغرب حتى أفقد أوامر الشرع قوتَها وعزمها. والأمثلة كثيرة، في مواقع وكتب هؤلاء الدعاة والوعّاظ.

المجموعة الأخرى من الشبه، تتضمن الجانب العلمي، ومحاولة إيجاد تناقض بين الحقائق العلمية والدينية، وأصحابُ هذه الشُّبه دائما يعتمدون على ما يرونه تناقضا بين الاثنين، مثلا في قضية الخلق مقابل نظرية التطور(evolution theory)، وقصة الانفجار العظيم(Big bang theory)، وحتى مسائل مثل تطور العلم الذي يسمح بمعرفة الأجِنَّة، وقضية نزول الله سبحانه وتعالى كل ليلة في الثلث الأخير من الليل كما في الحديث، مع أن العلم يقول إن اليوم كله هو الثلث الأخير من الليل على مكانٍ ما على الكرة الأرضية، ونحو هذا مما يربطه الذهن بصفات المخلوق التي يُخالفها الخالق، وبالتالي فإن القياس باطل ..
وكذلك وجوده سبحانه في كل مكان في جميع الأوقات، وهذا لا يُدرك بتصوراتنا المنطلقة من محسوساتنا المحدودة طبعا، وهؤلاء أخف لأن دعواهم يمكن النقاش حولها وعادة يكون النقاشُ مثمرا، لأن الحقائق العلمية والدينية لا تناقضَ بينها. وقد أجاد في هذا الموضوع عالم الرياضيات الأمريكي، جيفري لانغ، وله محاضرات قيمة وكتب في هذا المجال لمن أراد الاستزادة.

المجموعة الأخرى، عادة تتحدث عن العلاقة مع غير المسلمين، وتذكر الآيات والأحاديث المتعلقة بالقتال، وكره المشركين، وما إلى ذلك، والهدف منها التدليل على أن الدين لا يتماشى مع مفهوم التعايش السلمي، حيث كل شخص له الحرية فيما يأتي وما يدع، ولا يمكن أن تأمره بمعروف أو تنهاه عن منكر.

كما تدخل في هذا الإطار قضايا السياسة والتناوب على الحكم، وقضية المتغلب، والحريات الشخصية في إطار الدولة ومفهوم الخلافة.. إلخ
وأخيرا هناك قضايا التاريخ، وانتشار الإسلام، ولعل  من أكثر المواضيع طرحا قضية بني قريظة المشهورة. وفي هذا المجال تكثر الأحاديث والمرويات الضعيفة، ويتلقفها المرجفون ويزيدون عليها لتشويه صورة الإسلام وأنه انتشر بالسيف، وأنه دين همجي يأمر بقتل قبيلة كاملة حتى المراهقين والنساء لأن بعضها أجرم، وعادة عند التنقيح ومراعاة السياق الزمني والتاريخي والبدائل المُتاحة في ذلك العهد، يتبين لهم كذبُ افتراءاتهم..

من كتاب "كشكول الحياة" للكاتب، الفصل الرابع.


صورة الإسلام 1


أيامَ الجامعة انخرطتُ مع زملاء مهتمين بالترجمة في مجموعاتٍ على برنامجٍ للمحادثات الجماعية يُدعى (paltalk)، في البداية بداعي تحسين خبراتنا في اللغة والترجمة، ومن ثمَّ انصرف اهتمامُنا إلى مجالٍ أوسعَ وأهمَّ بكثير، ألا وهو الحوار بين الثقافات المختلفة والمعتقدات المتنوعة، واستهوتني على وجه الخصوص قضيةُ الدعوة في هذا البرنامج، فركزتُ على المجموعات التي تناقش الأديان، وكان عليّ أن أتعلم الكثير من المصطلحات الدينية باللغة الإنكليزية، وكذلك مطالعة الكثير مما كتب المستشرقون والمستغربون إن جاز التعبير، ومتابعة محاضرات علماء أو دعاة الإسلام الذي عاشوا أو يعيشون في الغرب، فهم أكثر قدرةً على استيعاب وفهم العقل الغربي وبالتالي هم أقدر على التأثير فيه والإجابة على استفساراته، فتابعتُ كلَّ ما وقع في يديّ من مسموعات ومرئيات، تتحدث عما جابهنا به الآخرُ من شُبهٍ في التاريخ الإسلامي والعقيدة والعبادات والشريعة (القانون) وغيرها من مناحي حياتنا الإسلامية.
وقد استفدتُ الكثير من هذه المناقشات والحوارات، ولم تعد مسألة اللغة والترجمة هي الهدفَ بالنسبة لي، فقد صار الهدف أعمق وأحرى أن يُبذل فيه الجهد الجهيد، فأنا على (ثغر من ثغور الإسلام)، أنافح عنه، وأُبطل ما نُسج من أباطيلَ وخرافاتٍ من أعدائه، وأحياناً كثيرةً للأسف من البسطاء أو غير المؤهلين من أبنائه، وكان من الغريب عندي متابعةُ أصحاب الشبهات للقنوات الدينية وتسجيل خطب الدعاة فيها خصوصا ممن يخدمون تلك الصورة النمطية stereotype عن الإسلام ولعل من أهم هذه القنوات قناة (Memri TV) التي تقوم على تسجيل وترجمة كل ما يُبث في العالم الإسلامي مما يخدم تلك الصورةَ طبعا، وعندما تُجادل أحدهم بأن الإسلام مثلاً دينُ رحمة وعدالة، جاءك بتسجيل لأحد الشيوخ في خطبةٍ يدعو للقتل أو يشرح الحدود وكل ذلك مجتزأٌ من سياقه تماما ليبدوَّ حجةً لهم.
ومن المهم أن أذكّر بأن هناك فرقاً بين من يسعون للمعرفة ومن يسعون لترسيخ صورة نمطية موجودة سلفاً، والحوارُ مع الفئة الأخيرة غيرُ مجدٍ غالبا، لذلك سأتناول هنا فقط جوانب تحضرني من الحديث والحوار مع مَن يسعون فعلاً للحقيقة، ولديهم استعدادٌ كاملٌ لقبولها..
كما أن العلماء عندنا في الإسلام أقسامٌ كثيرة، ولعل من أهمها حسب تجربتي الأنواع التالية:
1 - عالمٌ تقليدي مقلد لكنه أميٌ في اللغات الأخرى غير العربية وأمي أيضا في الثقافات الأخرى بل أحيانا يكون علمُه محصوراً في مذهب معين أو طائفة معينة، وهذا النوع لا يمكن أن يتحاور مع الآخرين والغالب أنه لا يرى الحوارَ معهم مهماً فلْيظنوا ما شاءوا عن الإسلام، ولنظن نحن ما شئنا عنهم، ولا طالب ولا مطلوب، وكل حزب بما لديهم فرحون، وهذه النظرة كانت ممكنة نوعاً ما قديما ولكن الآن نحن فعلا في قرية واحدة والتواصل متاح للجميع حتى الأطفال القُصّر، يمكنهم الوقوف على ما يُقال وعلى كل الشُّبه المُثارة، وبالتالي فخيار الانعزال لم يعد ممكنا.
2 - علماء وخبراء في اللغات الأخرى والثقافات العالمية ولديهم فهمٌ عميق لها، ولكنْ لديهم أيضا ضعف شديد في علوم الشريعة الإسلامية والعقيدة، وهم غالباً إما اعتذاريون (apologetics) ينكرون كلما لا يوافق الثقافة العالمية، أو هم لا مبالون "غير دينيين" كما يُقال.
3 - صنف هم من اعتنقوا الدين الإسلامي من الغربيين بعد البحث والتأمل، وهؤلاء لديهم دافع كبير لنشر تجربتهم كما أن لديهم فهماً أعمق لثقافتهم الأصلية وبالتالي فهم يخاطبون تلك الشكوك والاستفهامات التي عند بني جلدتهم، ولكن الغالبية منهم لديها نقص في معرفة اللغة العربية والشريعة الإسلامية.
4 - الصنف الرابع، وهو الأندر هم أشخاص جمعوا بين المعرفة الدينية الإسلامية ومعرفة ثقافة الآخر ولغاته وعقليته، وهؤلاء هم مَن عليهم المعوَّل في تصحيح ما يُشاع عن الإسلام في الغرب خصوصاً والتصدي للدعاية المغرضة ضد الإسلام والمسلمين.
ومن أهم ما لاحظتُه التأثير الكبير لقراءة ترجمة جيدة لمعاني القرآن الكريم، فأغلب من دخلوا الإسلام كان السبب قراءتهم لإحدى هذه الترجمات!

يتبع..

أيها المغترب!

 



الحياة هي ما يحدث لنا بينما نخطط لأشياء أخرى..

أعتقد أن هذه المقولة تنطبق علينا جميعا ولكنها تظهر أكثر لدى المغتربين، فالمغترب دائما، ربما في لاوعيه، يعتقد أنه خارج الزمن، وأن الزمن سيبدأ عندما يرجع إلى وطنه، فيؤجل معظم أو كل مشاريعه وأهدافه إلى أن يرجع، وهذه الفكرة عموما موجودة لدى الإنسان في كل مرحلة من مراحل عمره، فهو إما صغير ينتظر الكبر، أو مسافر ينتظر الرجوع أو طالب ينتظر التخرج، أو عاطل ينتظر التوظيف.. وهكذا.

ولا يدري معظمنا أن الحياة لا تتوقف ولا تنتظر أحدا ولا شيئا، فنحن في انتظار هذه الأشياء ننسى أن الحياة تمر سريعا، ونحن في انتظار شيء ما حتى نبدأ الحياة ولكن أغلبنا لا ينتبه إلى هذه القضية مبكرا، فهو يمضي من طالب ينتظر انتهاء الدراسة، إلى عاطل ينتظر الوظيفة، إلى موظف ينتظر الترقية، ثم الزواج والأولاد ثم فجأة يجد الشباب والحياة عموما مرت بين يديه!

وبالنسبة للمغترب فالحالة أشد لأنه دائما يؤجل الحياة إلى أن يحصِّل المال ويعود، وهذا في نظري أكبر خطأ، فحتى لو حصل المال تكون الحياة قد فاتته، كما أنه في هذه الدوامة قد لا يحصل ما يكفي أو ربما لا يعرف ما يكفي وبالتالي يستمر في هذه النظرة إلى أن يشيب فيرجع لا يستطيع الحياة لضعفه وشيبته، فتكون الحياة قد فاتته وهو يخطط لأمور أخرى قد تحصل وقد لا تحصل، لذلك فالأهم أن ندرك أن الحياة لا تتوقف، فلا نتوقف عند كل مرحلة ننتظر أن تكتمل، بل علينا أن نعيش خلال كل هذه المراحل، مع الأسرة أولا والأصدقاء، مع العمل على إسعاد من حولنا، وتحقيق ما نصبو إليه من أهداف، فلا أحد يضمن الظروف، لذلك علينا العمل على أهدافنا دائما، ونحن طلاب، ونحن موظفون، ونحن في الغربة.. أي خلال كل هذه المراحل ولا ننتظر أن نُنهيها كلَّها فقد لا نهيها أولا، وقد ننهيها ونكون انتهينا نحن معها!وعلينا أن ندرك أن فكرة الاغتراب لا تمنع الحياة، فلنعشها ولا ننتظر العودة.


مع القشيرية 2


 ... تابع للمقال الأول...رغم أن التصوف غالبا ما يكون ملازما للتدين، لكنه يحافظ على استقلالية تميزه عن رجل الدين والفيلسوف العقلي أيضا. مدار الصوفي هو الخَلق وراحتهم وحبهم، بخلاف مدار رجل الدين، الذي غالبا لا يحب غير من يدور في فلكه ويخضع لقراراته، إلا إذا خرج من حكم الطائفة محلِّقاً في فضاء العرفان أو متأثرا بفلسفة إنسانية يقوم بتأويل تدينه من خلالها.

المتصوف يتسامح مع الناس ويشدد على نفسه، وفي رواية صوفية لأبي علي الدقاق: (أن شابا أخرجوه من محلةٍ لفساده، فرأى القطب أمه تبكي، فقام واستشفع له عندهم لخاطرها. وطاف بعد أيام ووجدها تبكي. فسألها: هل أخرجوا ابنك لفساده من محلةٍ ما؟ قالت: لقد مات. فقال: وما حاله وقتها؟ قالت: قال لي لا تخبري الجيران فإنهم يشمتون بي ولا يحضرون جنازتي، وأعطاني خاتما كتب عليه "بسم الله" لأدفنه معه. فنفذت الوصية. وعندما همت بالبكاء على القبر سمعت هاتفا منه يقول: اذهبي يا أمي فإني مع رب كريم).

ورأى محمد الثقفي في منامه رجلاً فيه من أحوال النساء -مخنّث- احتقره الناس، فكان يقول: (غفر الله لي باحتقار الناس إياي).

أما حمدون القصار فكان يقول: (إذا رأيت سكراناً فتمايل لكيلا يبغي الناس عليه - أي لكيلا يرون أنفسهم أفضل منه فيؤذونه بكلام أو فعل -). نستشف من الأمثلة السالفة سعة صدر الصوفي مقابل ضيقه في المفهوم التقليدي للمتدين، فنادراً ما نرى أحدهم لا يحتقر الاثنين.

يضاف في رصيدهم أيضا التسامح الديني، فالكتاب خالٍ من مفاهيم التكفير، بل على العكس، في رواية صوفية عن إبراهيم الخليل: (أنه لقي مجوسيا ولم يطعمه، فسمع ربه يقول له في المنام: إنّا أطعمناه على مجوسيته سبعين سنة وتركنا رزقه عليك يوما واحداً فلم تطعمه!).

يرى الصوفي أن احتقار الخلق من أعظم الشرور، خصوصا مساكينهم، لأنه يلهيك بِشَرِّهم عن شر نفسك. وفي سبيل المساكين قاطعوا الدولة وأغنياءها وجيرانهم، لأنهم من جملة الأغيار الذين بسببهم يتألم الخلق ويجوعون، فكانت امرأة تخيط على مشاعل بيوت السلطان فقال لها أحدهم: لا تخيطي على مشاعل بيوتهم.

وجاء خياط لعبدا لله بن المبارك يسأله أنه اشترى من أحدهم خيوطا وإبرة وخاط ثوبا للسلطان فهل يعتبر من أعوان الظلَمة؟ فقال: إنما أنت من جملة الظلَمة أما أعوان الظلمة فهم من يبيعونك الخيط والإبرة.

نستطيع أن نقول إن المفارقة بين رجل الدين والمتصوف أن الأول يكتسب وجاهته من كلامه وسلطته الروحية وربما من سلطته السياسية، أو بالاشتراك بينهما. أما المتصوف فلا سلطة له ولا جاه، راحته في صمته، وقناعته من زهده، قريب من الخلق في العلانية، بعيد عنهم في السر، يسعى لإطعامهم ويرفعهم من الدونية إلى السواء، كثير الترحال فكرا وجسما، لكن حديث سره غالب على حديث لسانه.


مع القشيرية 1


 منذ سنوات قمت بنشر رحلتي مع الرسالة القشيرية في التصوف، وهو كتاب أنصح به جداً فقد أثر فيّ شخصياً تأثيراً كبيرا.

وقد حوى هذا الكتاب من اللطائف ما جعلني أطرق تفكّرًا وتأمّلًا.. في العديد من الاقتباسات والوقفات.. فهو كتاب لطيف وعميق.

أثراني النقاش حول الكتاب.. وأضاف للرسالة أبعادًا أخرى، وإسقاطات واقعيّة نحتاجها.

فهو فعلا يستحق المطالعة حيث يرى المؤلف أنه في عصره بدأ الشيوخ الذين يتبعون طريق التصوف مع العلم الشرعي بالاندراس وبدأ الجهل والاستخفاف بأوامر الشريعة وقلة المبالاة بالمحرمات يظهر على متبعي هذا الطرق يقول القشيري:

 "ثم لم يرضوا بما تعاطوه من سوء هذه الأفعال، حتى أشاروا إلى أعلى الحقائق والأحوال، وادعوا أنهم تحرروا من رق الأغلال، وتحققوا بحقائق الوصال، وأنهم قائمون بالحق، تجري عليهم أحكامه، وليس لله عليهم فيما يؤثرونه أو يذرونه عتب أو لوم، وأنهم لو كوشفوا بأسرار الأحدية، واختطفوا عنهم بالكلية، وزالت عنهم أحكام البشرية، وبقوا بعد فنائهم عنهم بأنوار الصمدية، والقائل عنهم غيرهم إذا نطقوا، والنائي عنهم سواهم فيما تصرفوا بل صُرفوا"

وبسبب ذلك كله وخوفا من إنكار هذه الطريقة برمتها لأجل ما يقترفه هؤلاء المخالفون، وخوفا من ازدياد التمادي والاغترار والشطط وإشفاقه "على القلوب أن تحسب أن هذا الأمر على هذه الجملة بنى قواعده، وعلى هذا النحو سار سلفه"، انبرى صاحبنا القشيري إلى تأليف هذا الكتاب، يجمع فيه أقوال شيوخ هذه الطريقة الأوائل والثقات منهم وتعاريفهم ومصطلحاتهم وأحوالهم. فكانت هذه الرسالة القشيرية من أشهر أمهات الكتب في علم التصوف.

الكتاب مقسم إلى ثلاثة فصول:

الفصل الأول يتناول شيوخ الطريقة وأهم أعلامها، وهي بداية جيدة فإذا أردت علماً فعليك أن تنظر ممن تأخذه أولا، كما أن أسماءهم ستتردد على القارئ إلى آخر صفحة فمعرفتهم ضرورية.

الفصل الثاني في تبيان وتفسير أهم المصطلحات المتداولة بين شيوخ الطريقة، ليس بالصعب ولا بالغريب.

الفصل الثالث: هو عبارة عن أبواب تتناول لب التصوف (الرجاء، التوكل، الجوع، الصبر، المراقبة، اليقين .... إلى تتمته)

وحيث إن حقيقة التصوف بأنه (باطني) فما كان من الممكن التعرف عليه إلا بما تكرم به شيوخ الطريقة ونطقوا به.

وهنا أريد أن أنبه إلى شيئين:

١-قد لا يصدق البعض بعض ما يكتب في الكتاب عن بعض الأولياء وما يحدث لهم من قصص، لكن كيف ستنفيه بلا دليل وحجة؟ إذا علمت أن الله يتولى أولياءه! أنا لا أتوقع من نفسي التصديق الأعمى كما أنني لا أحب النفي الأعمى.

٢- جملة وردت في الكتاب أراها جميلة جداً (كان ثمة تصوف ولا اسم، واليوم اسم ولا تصوف).


Featured Post

سبعٌ عجاف

ابْيَـضَّـت العينُ من حزنٍ على وطنٍ يُـطـارِحُ الحزنَ مــأســـاةً بِمـــأســاةِ سـبـعٌ عِـجـافٌ ولا عامٌ نـغــــاثُ به فأيـنَ يوسـفُ؟ أين...